عنوان الأطروحة
تمثّلات الذّات من خلال الأشكال الجديدة للتّعبير الفنيّ النسائيّ في الفضاء العموميّ الجزائريّ
دراسة تحليليّة لممارسات عيّنة من النساء المبدعات باستخدام منهجيّة النظريّة المجذّرة
إعداد: فاطمة بن نية
إسم المشرف: أ.د/ نسيم بوقطاية
ملخص
تبحث هذه الأطروحة، والموسومة بـ " تمثّلات الذّات من خلالِ الأشكال الجديدة للتّعبير الفنيّ النسائيّ في الفضاء العموميّ الجزائريّ - دراسة تحليليّة لممارسات عيّنة من النساء المبدعات باستخدام منهجيّة النظريّة المجذّرة"، بطريقة إستقرائيّة في التمثّلات التّي تحملها النساء المبدعات حول ذواتهنّ، والتّي عبّرن عنها من خلال تداول الأشكال الجديدة للتّعبير الفنيّ عبر مختلف الفضاءات العموميّة الفنيّة لمدينة الجزائر؛ الشكليّة منها والبديلة. حيث نستكشف كيفيّة استثمارهنّ لهذا الوسيط البصريّ في فهمهنّ وتناولهنّ للمسائل المرتبطة بوضعيّة المرأة، في ظلّ ما تعانيه من أوضاع إجتماعيّة مثقلة بالهيمنة؛ وعلى رأسها الإخفاء الإجتماعيّ والإستبعاد من "الفضاء العموميّ". إذ توفّر هذه المعطيات سياقا فريدا لبحث هذه المسألة الهوياتيّة من منظور إتصاليّ، وهذا بالإعتماد على تصوّرات وخبرات النساء المبدعات.
منهجيّا؛ يطرح هذا البحث تساؤله الرئيسيّ حول كيفيّة إسهام هذه الأشكال في عرض "تمثّلات الذات"، وفي تجديد جدل "الهويّات"بالفضاء العموميّ الجزائريّ. ساعيا للإجابة عنه من خلال تبنّي مقاربة نوعيّة تتمثّل في "منهجيّة النظريّة المجذّرة". حيث تمّ توظيفها لغاية بناء نموذج تفسيريّ يقترح فهما للظّاهرة المدروسة بشكل منهجيّ ومترابط، وهذا عبر تحليل وترميز بيانات المقابلات التفهّمية شبه المنظّمة، والمجراة مع عيّنة من النساء المبدعات الجزائريّات من مختلف الأجيال والإيديولوجيّات والإنتماءات، قوامها 21 مُفردة ناتجة عن معاينة قصديّة. التّحليل الذّي شمل في جزء منه متنا يتضمّن 287 عملاً فنيّا، تمّ عرضها خلال الفترة الزمنيّة الممتدّة من 2005 م إلى 2024 م من طرف مفردات عيّنة الدّراسة. من بينها 128 عملا تمّ إدراجها منها ضمن مقتضيات بناء النّموذج التّفسيريّ. في حين أُجري الشقّ الميدانيّ لهذه الدراسة في الفترة الممتدّة بين عاميْ 2018 و2022 م.
سمحت نتائج البحث باقتراح نموذج يُفسّر "ديناميّات الفضاء العموميّ الفنيّ الجزائريّ"، تتمثّل أهمّ افتراضاته في إنتاج النساء المبدعات لفعل إحتجاجيّ جماليّ ومبتكر؛ في فضاءاته التداوليّة وموارده التشكيليّة والبصريّة، كما في تقنيّاته التعبيريّة وأفكاره النقديّة. حيث تتمثّل أهمّ أبعاده في تأمينه المرئيّة المزدوجة لهاته النساء: المرئيّة الجسمانيّة بإعادة تملّكهنّ الفضاء، والمرئيّة الخطابيّة بالتّعبير النقديّ والمضادّ. علاوة على تنديدهنّ بمختلف الأشكال البنيويّة للظّلم والإزدراء، إعادة إنتاجهنّ لصور "الهوية" من خلال استدعاء آليّات التّمثيل الذّاتي، وتوظيفهنّ لتقنيّات تفكيكيّة عديدة في صياغتهنّ لهذا الفعل، والذّي يحيل إلى إعادة تملّك الذات وهندسة تمثّلاتها بما يقوّض ركائز "التمثّلات التّقليديّة المهيمنة". الفعل الذّي استند إلى أسس بنائيّة عديدة أبرزها؛ دوافعهنّ المرتبطة بالتزامهنّ إزاء قضيّة المرأة، تنوّع مساراتهنّ الإجتماعيّة والتكوينيّة والمهنيّة، فضلا عن ثراء مرجعيّاتهن الفكريّة والثقافيّة.
خلص البحث إلى تمكّن النساء المبدعات – ولو بشكلٍ نسبيّ – من تجديد الجدل حول مسألة "الهويّات النسائيّة"، وهو الفعلُ الذّي أتاح إمكانيّة تشكيل "فضاء عمُوميّ هامشيّ" بصوت نسائيّ جمعيّ يستوعب جوانب من انشغالات النّساء ومطالبهنّ ضمن علاقة صراعيّة لا تخضع للتّوافق. حيث تتداخل بنية هذا الفضاء وسرديّاته مع فضاء الهيمنة من خلال ممارسة المقاومة الرمزيّة، والمختلفة في قوّتها الإيحائيّة من عمل فنيّ لآخر. الأمر الذّي يتيح لنا توصيف هذا الفضاء كحيّز للتّفاوض الهويّاتيّ الواعي، المجدّد لـ "السياسيّ"، والسّاعي في التزامٍ لتحدّي نظام الهيمنة في طلبه للإعتراف بالذات النسائيّة؛ ذاتا كاملة، وذات وجود فعليّ ومستقلّ.